إسلام عمر وحمزة -رضي الله عنهما-
ما زال الإسلام في عزٍّ ومنعة منذ أسلم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهما كانا فارسي قريش وبطليها، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) رواه البخاري.
لقد كان إسلام حمزة -رضي الله عنه- في أول الأمر أنفة لابن أخيه محمد-صلى الله عليه وسلم-، ثم شرح الله صدره للإسلام وأعز الله به الدين، ومعروف مَن حمزة؟ إنه الأسد الضرغام الذي قتل العُتاة يوم بدر، ومزَّق صفوف الشيطان في تلك المعركة الفاصلة، لقد أسلم عزيزاً، وعاش كريماً، ومات شهيداً، وتتشابه بداية إسلام عمر وحمزة وحادثة موتهما، فأما إسلامهما فقد كان عزاً ونصراً للمسلمين المستضعفين، فقد استطاع المسلمون أن يصلوا عند الكعبة جهاراًَ وأن يخرجوا في صفين يعلنون إسلامهم لله رب العالمين، وأما وفاتهما فقد ماتا شهيدين، حمزة مات شهيداً في غزوة أحد، قتله وحشي بن حرب، ثم أسلم، وعمر مات شهيداً وهو يصلي، قتله أبو لؤلؤة المجوسي..
وسنذكر قصة إسلام حمزة وعمر -رضي الله عنهما-:
فأما إسلام حمزة بن عبد المطلب الهاشمي:
فقد روى محمد ابن إسحاق أن أبا جهل اعترض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل مُتوشِّحاً قوسه، راجعاً من قنصٍ له، وكان صاحبَ قنصٍ يرميه ويخرج له، فكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله حتى يطوفَ بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لا يمرُّ على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مرَّ بالمولاة وقد قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجع إلى بيته, قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنفاً قبيل، وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزةَ الغضبُ لما أراد الله -عز وجل- به من كرامته، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت معداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس وضربه بها ضربه، شجَّهُ بها شجَّةً مُنكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت! قال حمزة: وما يمنعني منه، وقد استبان لي منه ذلك؟ وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فو الله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً، وتم حمزة على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه.1