إعدام الفقر.. بعد غد
للامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه مقولة شهيرة نقل فيها عنه ما معناه "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".. التجسيد هنا يحمل معني الاستحالة .الأمر الذي يعني أنه حتي اصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يتمكنوا من القضاء علي الفقر ولا النبي نفسه..
ربما كان التكافل في فجر الدعوة الإسلامية وزكاة المال كفيلين باحتواء العوز والحاجة قدر الإمكان.. لكن الدنيا تغيرت عن 1430 عاما مضت.. تلهي الاغنياء بثرواتهم وقاسي الفقراء الأمرين.. والآن صار لزاما علي الدولة أن تحاصر الفقر وتقضي عليه قضاء مبرما اذا امكن ذلك..
لقد سمعنا كثيرا خصوصا في فترات المد الناصري أن الثورة قضت علي اعداء المصريين الثلاثة الفقر والجهل والمرض.. وللأسف لم تنجح أي حكومة طوال ال 57 عاما الماضية في القضاء علي أي من هؤلاء الاعداء..غير أن هذه الحكومة وبتوجيهات من الرئيس مبارك زعيم الحزب الوطني قررت أن يكون القضاء علي الفقر المدرج علي برنامج الرئيس الانتخابي هدفا ساميا لها يتكاتف الجميع لانجازه.. وكانت الخطوة الأولي الاعتراف بوجوده وتحديد تعريفه..
ويذكر للحزب الوطني والحكومة انها أصبحت تتحدث عن الفقر علنا وتعترف به.. ولا تنكره.. وانما تتعامل معه بأسلوب علمي متقدم..
بعد غد يبدأ المؤتمر الثاني للسياسات الاجتماعية المتكاملة في مصر تحت رعاية وبحضور د. أحمد نظيف رئيس الوزراء ويتولي التنظيم والاشراف د.علي المصيلحي وزير التضامن الذي يتمني أن ينجح فيما طلبه المسلمون الأوائل وسعوا إليه. خصوصا أن الجميع ينظرون إليه باعتباره وزير الفقراء.
وإذا كان الناس قد تغيرت معادنهم وأخلاقهم عن عصر الرسول. فإننا نأمل أن يكون التخطيط العلمي السلمي الذي يقوم به د. علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي هو الوسيلة المثلي لاحتواء الفقر وترويضه. لأنه إذا خرج عن السيطرة سيهدد الأمن القومي..
ان المؤتمر الذي يعقد بعد غد ويتحدث فيه رئيس الوزراء ويستمر يومين يوضح أنه من الممكن القضاء علي هذا الوحش كما فعلت الهند والبرازيل وتركيا وسيحضر عنهم مندوبون يعرضون تجارب هذه الدول في هذا المجال.
القراءة المبدئية لاوراق المؤتمر تكشف أن اختيار المتحدثين والابحاث التي ستتلي تم بعناية شديدة وتم فيها الخلط ما بين الخبرة الدولية والقيادات الحزبية والجمعيات الأهلية والسلطة التنفيذية لرئيس الوزراء ووزرائه اضافة إلي برنامج الامم المتحدة الانمائي الذي يقدم الدعم الفني والخطط اللافتة لمواجهة الفقر..
السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني وأمين السياسات له كلمة في جدول اعمال المؤتمر باعتباره الذي يقود بكفاءة مشروع تطوير الألف قرية الفقيرة في محافظات مصر ال ..28
وكما شرحت فان هذا التنوع ما بين تنفيذيين وحزبيين وأساتذة جامعات يعطي الانطباع الحقيقي بأن المجتمع ينهض بعزم رجل واحد للتصدي للفقر.. لا أحد يتنصل من المسئولية. ولا أحد يقول انها تتبع التضامن فلا دخل للصحة أو الاسكان أو التعليم أو الشئون القانونية أو الزراعة أو الاستثمار.. الجميع حاضرون لأجل مصر والمصريين..
واسمحوا لي أن اتحدث قليلا عن وزير التضامن د. علي المصيلحي الذي تخرج في الكلية الفنية العسكرية مهندسا وضابطا.. ولك أن تسأل ما علاقة شهادته بمكافحة الفقر.. التجربة أثبتت أن العسكريين اذا ما اوكل إليهم اهداف مدنية نفذوها بالدقة والانضباط العسكري خصوصا إذا ما عرفنا أنه فلاح "شرقاوي" ولديه في محافظته عدد من القري الفقيرة.
وزير التضامن يواجه الفقر كما قلت بقاعدة بيانات.. الاسلوب العلمي سيجعله يعرف عدد الأسر المعيلة في مصر.. لأول مرة سيتم اجراء بحوث اجتماعية ميدانية.. ولأول مرة يجوز الجمع بين معاش الضمان الاجتماعي المستحق للأسرة وأي معاش آخر وذلك اذا كان في الأسرة طفل في التعليم أو معاق أو يتيم..
البحوث الاجتماعية ستأخذ في اعتبارها ألا يزيد عدد افراد الأسرة المعالين علي 4 أفراد كما سيؤخذ في عين الاعتبار قيمة فاتورة الكهرباء والتليفون الثابت وحالة المسكن وعدد الحجرات حتي لا يستحق الدعم من تجاوز حدود الفقر..
هذه الطريقة هدفها في الاساس توصيل الدعم لمستحقيه وعدم اضاعة أو هدر الامكانيات علي اشخاص يستطيعون الكسب أو يكون لديهم المقدرة علي الكسب وامتنعوا عن ذلك إما للاحتيال علي الباحث الاجتماعي وإما اعتبار أن معاش الضمان حق لهم عليهم الاستفادة به.. فالمال الذي يأتي من الحكومة "حلال ونصف"!!
ان المرحلة القادمة التي تتصدي فيها الحكومة للفقر بوزاراتها الخدمية المختلفة كالنقل والصحة والتعليم والاسكان والزراعة والاستثمار بالاضافة إلي التضامن تهدف في المقام الأول إلي خلق تنمية اقتصادية متكاملة في القري الاكثر فقرا يتم بمقتضاها خلق نمو داعم للفقراء.. أو بنفس المعني الصيني القديم وهو لا تعطني سمكة ولكن علمني الصيد..
هذا هو ما سيحاوله رئيس الوزراء ووزير التضامن اعتبارا من بعد غد.. وإذا كان يوم 4 يوليو قد دخل التاريخ العالمي باعتباره عيد استقلال أمريكا. فدعونا نحتفل ب 4 يوليو المصري باعتباره ضربة البداية التي سننطلق منها لنحرز اهدافا في مرمي الفقر وننتصر عليه .. لن نسمح بعد اليوم بأن يظل ترتيب مصر في الدول المتأخرة في مكافحة الفقر. نحن نستحق اكثر من ذلك وطالما صممنا علي الانتصار علي الفقر. فسيكون لنا ما أردنا بإذن الله تعالي.